ولد الجنرال جياب عام 1912 في قرية An Xa ، وحينما كان في الرابعة عشر من العمر ، كان يعمل مراسلا لشركة كهرباء ، ثم التحق في بالجامعة في تخصص الفنون ، وكان مثابرا في دراسته إلا أنة اخفق في السنة الأخيرة من حياته الجامعية .. خلال حياته الجامعية تعرف على احد دعاة الفكر الشيوعي والذي أقنعة بتبني هذا الفكر الذي يتبناه إلى يومنا هذا ...... ولقد كان الجنرال جياب عقلية فذة في تدويخ أعدائه أثناء الثورة الفيتنامية ، ولقد شهد له أعدائه الفرنسيين والأمريكيين بذلك .
الجنرال جياب ما يزال حيا إلى يومنا هذا وقد ناهز فوق التسعين . ولعل من أجمل ما قاله بخصوص الأحداث الراهنة (كل محاولة لمواجهة شعب أمة أخرى وكل مؤامرة تهدف إلى التعدي على أمة وعلى سيادتها واستقلالها ستهزم ) .
في عام 1995 في ذكرى مرور عشرين عاما على نهاية حرب فيتنام ، حدث لقاء فريد من نوعه في هانوي ، فلقد التقى روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي أثناء الحرب مع القائد الأسطورة لقوات التحرير الفيتنامية الجنرال جياب ، لقاء بين قائد مهزوم وقائد منتصر .
الشعب الفيتنامي بقيادة هوشي منة والجنرال جياب هزم قوتين استعماريتين كبيرتين في غضون عشرين عاما .هزم القوة الاستعمارية الفرنسية في مايو عام 1954 ، عندما استسلمت للجنرال جياب ومقاتليه القوات الفرنسية في معركة ديان بيان فو بعد حصار استمر ستة وخمسين يوما ... وهزم القوة الاستعمارية الأمريكية واجبرها على الرحيل منكسرة في 30 ابريل عام 1975.
في اللقاء أعطى الجنرال جياب لروبرت مكنمارا درسا بسيطا في كلمات قليلة ...درس في تفسير النصر الفيتنامي والهزيمة الأمريكية .. قال له ببساطة : (أمريكا دخلت الحرب دون أن تعرف أي شيء عن تاريخ فيتنام والشعب الفيتنامي ... لم تعرف أي شيء عن ثقافة الفيتناميين وروحهم الوطنية والقتالية ضد موجات الغزاة الأجانب ) .
هذا هو السر إذن كما عبر عنة الجنرال جياب في عبارات بسيطة جدا . أمريكا دخلت حرب فيتنام بمزيج من الجهل المريع بفيتنام وتاريخ وحضارة شعبها ، ومن العنجهية والغطرسة .. دخلت الحرب وهي لا تعرف سوى لغة القوة الباطشة والذبح والإبادة ، وظنت أن هذا وحدة كفيل بهزيمة الفيتناميين ... ظنت أمريكا أن الحرب ما هي إلا مواجهة بين قوة عسكرية وقوة عسكرية أخرى ، بين قوة عسكرية ضاربة تملك أحدث ما في العالم من عتاد وأسلحة دمار ، وقوة عسكرية متواضعة يملكها المقاتلون الفيتناميون ... لم تدرك أمريكا أن الحرب في جوهرها صراع بين إرادتين ، إرادة قوة احتلال استعمارية باطشة ، وأراده شعب له تاريخ وحضارة وتدفعه روحة وطنية جبارة من اجل تحرير وطنه .
هذا الصراع قد بلغ الذروة في عام 1968 بالذات ، في ذلك العام دفعت أمريكا بأعداد كبيرة من قواتها إلى فيتنام ليرتفع عدد هذه القوات إلى 550 ألفا ، بالمقابل في نفس العام ، أطلق الجنرال جياب الهجوم التاريخي الذي عرف باسم ( هجوم تيت ) وتيت اسم السنة القمرية الفيتنامية التي تبدأ في فبراير . الهجوم استهدف مائة هدف في المدن الفيتنامية وهو الهجوم الذي تواصل إلى أن انتهى بحصار وتحرير سايجون ، لم يكن الجنرال جياب حين خطط للهجوم وبدأ تنفيذ الهجوم يراهن على قوة عسكرية تضارع القوة الأمريكية أو حتى تقترب منها ، لكنة راهن على تكتيكات قتالية عبقرية دخلت بعد ذلك تاريخ الإستراتيجية العسكرية في العالم ، ويراهن قبل ذلك وبعدة على شعب يدافع عن وطنه ويحتضن أبناءة المقاتلين ويحميهم .
ولأن أمريكا لم تكن تعرف إلا لغة البطش والإبادة وظنت أن هذا طريق النصر ، فلقد ارتكبت في فيتنام من المذابح والجرائم ما يمثل صفحات سوداء ستظل عارا يلطخ تاريخها إلى الأبد ، ليس هناك من جريمة من جرائم الحرب إلا وارتكبتها القوات الأمريكية بفيتنام ... وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاما على انتهاء الحرب إلا لن تفاصيل الجرائم الأمريكية في فيتنام ما زالت تتكشف حتى اليوم ... ويكفي أن نعرف فقط أن القوات الأمريكية استخدمت أثناء الحرب 6,5 ملايين طن من القنابل .. و400 ألف طن من النابالم ... و11,2 مليون جالون مما يسمى بالعنصر البرتقالي ( وهو مادة كيماوية سامة استخدمت لإبادة الغابات والمزارع التي يختبئ فيها المقاتلون الفيتناميون ، وما زال الفيتناميون حتى اليوم يعانون بسببها من أمراض السرطان وتشوهات المواليد ).
ثمن فادح دفعة الشعب الفيتنامي في دفاعه عن وطنه في مواجهة الجرائم الأمريكية ... أكثر من 3ملايين قتلوا .. وأكثر من 3 ملايين جريح ... و12 مليون لاجئ ... غير القرى التي أبيدت وصور الإبادة الأخرى ... وأمريكا خسرت بالحرب أكثر من 57 ألفا من قواتها سقطوا قتلى ، على الرغم من كل هذه الجرائم والوحشية الأمريكية انتهت الحرب بالهزيمة المذلة لأمريكا وقواتها ،وبعقدة للشعب الأمريكي كله لم يفلح معها إي علاج حتى يومنا هذا .
والسر يكمن بالدرس الذي لقنه جياب لمكنمارا . هو ليس درس النصر والهزيمة في فيتنام وحدها .هو درس التاريخ كله ...
المجد للشيطان .. معبود الرياح ، من قال "لا" في وجه من قالوا "نعم" ، من علم الإنسان تمزيق العدم ، من قال "لا" فلم يمت، وظل روحا أبدية الألم!